فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.بحث لطيف عن الذكر لابن جزي:

وبالجملة فهذه الآية بيان لشرف الذكر وبينها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يرويه عن ربه أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم والذكر ثلاثة أنواع ذكر بالقلب وذكر باللسان وبهما معا واعلم أن الذكر أفضل الأعمال على الجملة وإن ورد في بعض الأحاديث تفضيل غيره من الأعمال كالصلاة وغيرها فإن ذلك لما فيها من معنى الذكر والحضور مع الله تعالى.
والدليل على فضيلة الذكر من ثلاثة أوجه:
الأول: النصوص الواردة بتفضيله على سائر الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «ذكر الله» وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل؟ قال: «ذكر الله» قيل الذكر أفضل أم الجهاد في سبيل الله فقال لو ضرب المجاهد بسيفه في الكفار حتى ينقطع سي فهو يختضب دما لكان الذاكر أفضل منه.
الوجه الثاني: أن الله تعالى حيث ما أمر بالذكر أو أثنى على الذكر اشترط فيه الكثرة فقال اذكروا الله ذكرا كثيرا والذاكرين الله كثيرا ولم يشترط ذلك في سائر الأعمال.
الوجه الثالث: أن للذكر مزية هي له خاصة وليست لغيره وهي الحضور في الحضرة العلية والوصول إلى القرب بالذي عبر عنه ما ورد في الحديث من المجالسة والمعية فإن الله تعالى يقول أنا جليس من ذكرني ويقول أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني وللناس في المقصد بالذكر مقامان فمقصد العامة اكتساب الأجور ومقصد الخاصة القرب والحصور وما بين المقامين بون بعيد فكم بين من يأخذ أجره وهو من وراء حجاب وبين من يقرب حتى يكون من خواص الأحباب واعلم أن الذكر على أنواع كثيرة فمنها التهليل والتسبيح والتكبير والحمد والحوقلة والحسبلة وذكر كل اسم من أسماء الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والاستغفار وغير ذلك ولكل ذكر خاصيته وثمرته وأما التهليل فثمرته التوحيد أعني التوحيد الخاص فإن التوحيد العام حاصل لكل مؤمن وأما التكبير فثمرته التعظيم والإجلال لذي الجلال وأما الحمد والأسماء التي معناها الإحسان والرحمة كالرحمن الرحيم والكريم والغفار وشبه ذلك فثمرتها ثلاث مقامات وهي الشكر وقوة الرجاء والمحبة فإن المحسن محبوب لا محالة وأما الحوقلة والحسبلة فثمرتهما التوكل على الله والتفويض إلى الله والثقة بالله وأما الأسماء التي معناها الاطلاع والإدراك كالعليم والسميع والبصير والقريب وشبه ذلك فثمرتها المراقبة وأما الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فثمرتها شدة المحبة فيه والمحافظة على اتباع سنته وأما الاستغفار فثمرته الاستقامة على التقوى والمحافظةعلى شروط التوبة مع إنكار القلب بسبب الذنوب المتقدمة ثم إن ثمرة الذكر التي تجمع الأسماء والصفات مجموعة في الذكر الفرد وهو قولنا الله الله فهذا هو الغاية وإليه المنتهى. اهـ.

.فائدة في أنواع الذكر الوارد في القرآن:

قال بعضهم: الذِّكر في القرآن على عشرين وجهًا:
الأَوّل: ذِكْر اللِّسان: {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ}.
الثانى: ذِكْر بالقلب: {ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ}.
الثَّالث: بمعنى الوعظ: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} {فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى}.
الرابع: بمعنى التوراة: {فَاسْئَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ}.
الخامس: بمعنى القرآن: {وَهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ}.
السادس: بمعنى اللَّوح المحفوظ: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ}.
السَّابع: بمعنى رسالة الرّسول: {أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} أَى رسالة.
الثَّامن: بمعنى العِبْرة: {أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} أَى العِبَر.
التَّاسع: بمعنى الخَبَر: {هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي}.
العاشر: بمعنى الرّسول: {قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَّسُولًا}.
الحادى عشر: بمعنى الشَّرف: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} أَى شرف.
الثانى عشر: بمعنى التَّوبة: {ذلك ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}.
الثالث عشر: بمعنى الصَّلوات الخمس: {فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم}.
الرابع عشر: بمعنى صلاة العصر خاصّة: {أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي}.
الخامس عشر: بمعنى صلاة الجمعة: {فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
السّادس عشر: بمعنى العُذْر من التَّقصير: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ}.
السَّابع عشر: بمعنى الشَّفاعة: {اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ}.
الثامن عشر: بمعنى التَّوحيد: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ}.
التَّاسع عشر: بمعنى ذكر المنَّة: {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ}، {اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ}.
العشرون: بمعنى الطَّاعة والخِدمة {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} أَى اذكرونى بالطَّاعة أَذكركم بالجنَّة. اهـ.

.معنى الكفر:

وقوله: {ولا تكفرون} نهي عن الكفران للنعمة، والكفران مراتب أعلاها جحد النعمة وإنكارها ثم قصد إخفائها، ثم السكوت عن شكرها غفلة وهذا أضعف المراتب وقد يعرض عن غير سوء قصد لكنه تقصير.
قال ابن عرفة: ليس عطف قوله: {ولا تكفرون} بدليل على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده وذلك لأن الأمر بالشكر مطلق أي لأن الأمر لا يدل على التكرار فلا عموم له فيصدق بشكره يومًا واحدًا فلما قال: {ولا تكفرون} أفاد النهي عن الكفر دائمًا اهـ، يريد لأن الفعل في سياق النهي يعم، مثل الفعل في سياق النفي لأن النهي أخو النفي. اهـ.

.قال في روح البيان:

قال الراغب: إن قيل ما الفرق بين شكرت لزيد وشكرت زيدا؟
قيل شكرت له هو أن تعتبر إحسانه الصادر عنه فتثنى عليه بذلك وشكرته إذا لم تلتفت إلى فعله بل تجاوزت إلى ذكر ذاته دون اعتبار أحواله وأفعاله فهو أبلغ من شكرت له، وإنما قال: {واشكروا لى} ولم يقل واشكرونى علما بقصورهم عن إدراكه بل عن إدراك آلائه كما قال تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} فأمرهم أن يعتبروا بعض أفعاله في الشكر لله {ولا تكفرون} بجحد النعم وعصيان الأمر.
فإن قيل لم قال بعد {واشكروا لى ولا تكفرون} ولم يقتصر على قوله: {واشكروا لى} قلنا لو اقتصر على قوله: {واشكروا لى} لكان يجوز أن يتوهم أن من شكره مرة أو على نعمة ما فقد امتثل ولو اقتصر على قوله: {ولا تكفرون} لكان يجوز أن يتوهم أن ذلك نهى عن تعاطى فعل قبيح دون حث على الفعل الجميل فجمع بينهما لإزالة هذا التوهم، ولأن في قوله: {ولا تكفرون}تنبيها على أن ترك الشكر كفران.
فإن قيل: لم قال: {ولا تكفرون} ولم يقل: ولا تكفروا لى؟
قيل: خص الكفر به تعالى بالنهى عنه للتنبيه على أنه أعظم قباحة بالنسبة إلى كفر نعمه فإن كفران النعم قد يعفى عنه بخلاف الكفر به تعالى كذا في تفسير الراغب الأصفهانى. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}.
قال ابن جرير: أي: اذكروني أيها المؤمنون بطاعتكم إياي فيما آمركم به وفيما أنهاكم عنه، أذكركم برحمتي إياكم ومغفرتي لكم، وقد كان بعضهم يتأول ذلك أنه من الذكر بالثناء والمدح. وقال القاشاني: اذكروني بالإجابة والطاعة، أذكركم بالمزيد والتوالي، وهي بمعنى ما قبله، وقوله: {وَاشْكُرُواْ لِي} قال ابن جرير: أي: اشكروا لي فيما أنعمت عليكم من الإسلام والهداية للدين الذي شرعته. وقوله: {وَلاَ تَكْفُرُونِ} أي: لا تجحدوا إحساني إليكم، فأسلبكم نعمتي التي أنعمت عليكم.
قال السمرقنديّ: أي: اشكروا نعمتي: أن أرسلنا فيكم رسولًا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة، ولا تجحدوا هذه النعمة، ويقال: النعمة، في الحقيقة هي العلم، وما سواه فهو تحول من راحة إلى راحة، وليس بنعمة، والعلم لا يمل منه صاحبه، بل يطلب منه الزيادة، فأمر الله تعالى بشكر هذه النعمة، وهي نعمة بعثة رسولًا يعلمهم الكتاب والحكمة. كما قصه الحراليّ. ولما كان للعرب ولع بالذكر لآبائهم ولوقائعهم، جعل تعالى ذكره لهم عوض ما كانوا يذكرون، كما جعل كتابه عوضًا من أشعارهم، وهزّ عزائمهم لذلك بما يسرهم به من ذكره لهم.
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله عز وجل: أنا مع عبدي حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن اقترب إليّ شبرًا اقتربت إليه ذراعًا، وإن اقترب إليّ ذراعًا اقتربت إليه باعًا، فإن أتاني يمشي أتيته هرولة» صحيح الإسناد أخرجه البخاري أيضًا.
وروى مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة: أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده».
والآثار في فضل الذكر متوافرة ويكفي فيه هذه الآية الكريمة.

.فضل مجالس الذكر:

قال النووي رحمه الله تعالى: اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوهما، بل كل عامل لله تعالى بطاعة، فهو ذاكر لله تعالى.
كذا قاله سعيد بن جبير رضي الله عنه، وغيره من العلماء. وقال عطاء رحمه الله: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام، كيف تشتري وتبيع؟، وتصلي وتصوم؟، وتنكح وتطلّق؟، وأشباه هذا.
وقال النووي أيضًا: إن الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبة، لا يحسب شيء منها ولا يعتد به حتى يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع، لا عارض، وقد صنف، في عمل اليوم والليلة، جماعة من الأئمة كتبًا نفيسة. ومن أجمعها للمتأخرين كتاب الأذكار للنوويّ، وممن جمع زبدة ما روى فيها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد، وقال في طليعة ذلك: كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكرًا لله عز وجل، بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه، وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكرًا منه لله، وإخباره عن أسماء الرب وصفاته وأحكامه وأفعاله ووعده ووعيده ذكرًا منه له، وثناؤه عليه بآلائه وتمجيده وتسبيحه ذكرًا منه له، وسؤاله ودعاؤه إياه ورغبته ورهبته ذكرًا منه له، وسكونه وصمته ذكرًا منه له بقلبه، فكان ذكر الله في كل أحيانه وعلى جميع أحواله، وكان ذكره الله يجري مع أنفاسه قائمًا وقاعدًا، وعلى جنبه، وفي مشية وركوبه ومسيره، ونزوله وطعنه وإقامته. انتهى.
وأما الأذكار المحدثة والسماعات المبتدعة، سماع الكف والدف، فلم يكن الصحابة والتابعون لهم بإحسان، وسائر الأكابر من أئمة الدين، يجعلون هذا طريقًا إلى الله تبارك وتعالى، ولا يعدّونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع المذمومة؛ حتى قال الشافعي: خلفت ببغداد شيئًا أحدثته الزنادقة يسمونه: التغبير، يصدّون به الناس عن القرآن. وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك، ويعلمون أن للشيطان فيه نصيبًا وافرًا، ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم، ومن كان أبعد عن المعرفة وعن كمال ولاية الله، كان نصيب الشيطان فيه أكثر فسماع الغناء والملاهي من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية، وهو سماع المشركين؛ قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35]، قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم، وغيرهما من السلف: التصدية، التصفيق باليد. والمكاء مثل الصفير. فكان المشركون يتخذون هذا عُبَاْدَة.
وأما النبي صلى الله عليه وسلم فعبادتهم ما أمر الله به من الصلاة والقراءة والذكر نحو ذلك، والاجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على استماع غناء قط، لا بكف ولا بدف ولا تواجد وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا اجتمعوا، أمروا واحدًا منهم أن يقرأ، والباقون يستمعون وكان عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لأبي موسى الأشعري: ذكرنا ربنا. فيقرأ وهم يستمعون. ومر النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري وهو يقرأ فقال له: «مررت بك البارحة، وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك». فقال: لو علمت أنك تستمع لحبرته لك تحبيرًا. أي: لحسنته لك تحسينًا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «زينوا القرآن بأصواتكم».
وقال صلى الله عليه وسلم: «لله أشد أذَنًا- أي: استماعًا- إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به، من صاحب القينة إلى قينته».
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليّ»، قلت: يا رسول الله: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: «نعم». فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41]، قال: «حسبك الآن». فالتفت فإذا عيناه تذرفان.
ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكر الله تعالى ذلك في كتابه فقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]. وقال تعالى في أهل المعرفة: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ} [المائدة: 83]، ومدح سبحانه أهل هذا السماع بما يحصل لهم من زيادة الإيمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: 2]، فخلاف هذا السماع، من الباطل الذي نهى عنه، ولذلك لم يفعله القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعله أكابر المشايخ، فليُفقْ من كان من الفريق الأدنى في سلوك فقره، وليصحب من هو من الرفيق الأعلى إلى حلول قبره، وليُدَاوِ جراحات اجتراح بدعته، باتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولزوم سنته. واعلم أن ذكر الله تعالى تارة يكون لعظمته، فيتولد منه الهيبة والإجلال، وتارة يكون لقدرته فيتولد منه الخوف والحزن، وتارة لنعمته فيتولد منه الشكر، ولذلك قيل: ذكر النعمة شكرها، وتارة لأفعاله الباهرة فيتولد منه العبر، فحق المؤمن أن لا ينفك أبدًا عن ذكره تعالى على أحد هذه الأوجه. وقوله تعالى: {واشكروا لي ولا تكفرون} فيه أمر بشكره على نعمه وعدم جحدها؛ فالكفر هنا ستر النعمة لا التكذيب. وقد وعد تعالى على شكره بمزيد الخير فقال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7] قال ابن عطية: اشكروا لي واشكروني بمعنى واحد. ولي أفصح وأشهر مع الشكر. اهـ.